أهم الأخبارالعرض في الرئيسةفضاء حر

تسعون يومًا… ولن أنكسر

يمنات

عبدالوهاب قطران

مرّت تسعون يومًا على الإخفاء القسري لأخي، عارف محمد قطران، ونجله عبدالسلام. تسعون يومًا بلا تهمة، بلا محاكمة، بلا زيارة، وبلا أي تواصل، في مخالفة صريحة للدستور، والقوانين النافذة، والأعراف والمواثيق الدولية و الإنسانية.

خلال هذه الفترة لم نلجأ إلى الصراخ، بل إلى جميع الطرق المشروعة. قدّمنا الشكاوى والعرائض والتظلمات، وتواصلنا مع الجهات الرسمية والحقوقية والقبلية دون استثناء. لم نطلب فضلًا، بل طالبنا بحق واضح ومحدد: معرفة مكان الاحتجاز، وتمكين الزيارة، وتطبيق القانون.

وكان الجواب… صمتًا.

صمتٌ لا يمكن تفسيره بسوء الفهم، ولا بتعقيد الإجراءات، بل يُقرأ بوصفه موقفًا متعمدًا. ومثل هذا الصمت لا يُضعف أصحاب الحق، بقدر ما يُحمِّل المسؤولية كاملةً لمن يمارسونه.

يبدو أن هناك من يظن أن الإخفاء القسري أداة كافية لكسر الإرادة، وأن طول الانتظار سيُنهك العائلات حتى الصمت القسري. وهذا تقديرٌ خاطئ.

فالانتظار الطويل لا يكسر من يعرف موقعه من الحق، ولا يغيّر من حقيقة أن الاحتجاز والإخفاء القسري خارج إطار القانون يظلان جريمة، مهما طال أمدهما.

إن استمرار احتجاز أخي عارف ونجله عبدالسلام دون إعلان مكان وجودهما، ودون تمكينهما من حقوقهما القانونية، يُشكّل—وفق القانون الدولي—جريمة إخفاء قسري مكتملة الأركان.

والإخفاء القسري جريمة مستمرة لا تنتهي إلا بالكشف عن المصير، ولا يغيّر من توصيفها طولُ المدة ولا طبيعةُ الجهة القائمة بها. وقد تحققت في هذه الواقعة جميع أركان الجريمة، وفي مقدمتها:

إنكار أو إخفاء المصير أو مكان الاحتجاز.

عدم الإعلان الرسمي عن مكان وجود المحتجزين.

منع الزيارة.

منع الاتصال.

عدم تمكين المحامي.

عدم الإحالة إلى القضاء.

وهذا هو جوهر الإخفاء القسري، وليس مجرد اعتقال خارج إطار القانون.

لقد وُضع أخي وابنه كضحيّتَين خارج حماية القانون:

لا تهمة. لا أمر ضبط. لا قاضٍ. لا محامٍ. لا رقابة قضائية.

وهذا الركن هو الأخطر، وهو متحقق بالكامل.

والإخفاء القسري جريمة خطيرة لأنه:

جريمة مستمرة: لا تنقضي بمرور الزمن وتبقى قائمة ما لم يُكشف المصير.

جريمة مركبة: تنطوي في داخلها على اعتقال تعسفي، وتعذيب محتمل، ومعاملة قاسية، وحرمان من الضمانات القضائية.

نعم، إن إخفاءهما قسرًا جريمة لا تسقط بالتقادم، وقد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية إذا مُورست على نحوٍ واسع أو منهجي، أو أُصرّ على استمرارها.

لهذا، أختار اليوم الصمت. ليس انسحابًا، ولا يأسًا، ولا تراجعًا، بل قرارًا واعيًا بعد أن قيل كل ما يجب أن يُقال، ووُثّق كل ما يجب أن يُوثّق.

سأبتعد مؤقتًا عن النشر والتعليق، لأن القضايا العادلة لا تُدار بأعصابٍ مستنزفة، ولأن الكرامة أحيانًا تُصان بالصمت أكثر مما تُصان بالكلام.

أما أخي وابنه، فهما في عهدة الحقيقة. والحقيقة لا تضيع، والتاريخ لا ينسى، وما يُبنى على الظلم لا يدوم.

هذا ليس وداعًا، بل وقفة محسوبة، وسكون من يعرف أن حقه ثابت، وأن الزمن—مهما طال—لا يمنح الظلم شرعية.

زر الذهاب إلى الأعلى